بمناسبة مرور "50" عاما على حادثة حلفون والتي تصادف2022/2/22م دارت بعض المحادثات والحوارات مع بعض الشخصيات الاجتماعية في منطقة حلفون والديس الشرقية وكانت خلاصتها هو أن اللجنة الشعبية في منطقة حلفون تقدمت للسلطة المحلية بمركز الديس الشرقية ومأمور المديرية الشرقية في ذلك الوقت احمد جنبين بطلب بناء مدرسة ومسجد ووحدة صحية للمواطنين في منطقة حلفون وقد استجابت السلطة المحلية بالمديرية وطلب مأمور المديرية اجتماع بأعضاء اللجنة الشعبية في حلفون بحضور الأستاذ علي سالم الغرابي على أن يكون الاجتماع في مدرسة الديس الشرقية في بيت الوقف الذي بناءه الشيخ عبيد باشعيب عصر يوم 1972/2/14م تقريبا وقد حضر مساعد المأمور مركز الديس والحامي الشهيد محمد ناصر شماخ السباعي والمأمور أحمد جنبين وأعضاء اللجنة الشعبية بحلفون وهم الشيخ سالم مهجر الغرابي وعبدالله محمد الملغزي وسعيد مبروك باغشوة وآخرين ولم يحضر الأستاذ علي سالم الغرابي الأمر الذي أدى إلى انهيار عصبي للمأمور أحمد جنبين وطلب تأجيل الاجتماع إلى منطقة حلفون مساء يوم 1972/2/22م على أن يكون الاجتماع في بيت الشيخ والحاج سالم مهجر الغرابي وطلب منهم ترتيب وجبة عشاء للجميع مع تأكيده مرة أخرى على ضرورة حضور الأستاذ علي سالم الغرابي الاجتماع باعتباره الشخص المهم الذي يمكن أن يساعد حضوره في إنجاح الاجتماع ...
وكان الوعد كالرعد تمت جميع الترتيبات وحضر الجميع إلى حلفون حسب الموعد إلى بيت الشيخ سالم مهجر الغرابي ولم يحضر الأستاذ علي سالم الغرابي على اعتبار أنه ليس عضوا في اللجنة الشعبية في حلفون ومتابعة مشاريع وخدمات المنطقة شأن يخص اللجنة الشعبية دون غيرها إلا أن المأمور احمد جنبين اهتز وبدأ متوترا ورفض العشاء إلا بحضور الأستاذ علي سالم الغرابي .. وقد ساعدت العاطفة وتحكمت في الجميع قوانين الطبيعة البدوية واندفع بعض رجال قبيلة بيت غراب بشكل عاطفي وأخذوا سيارة لاند روفور إلى منطقة المعيمله المجاورة لمنطقة حلفون يقودها الأخ علي مبارك مهجر الغرابي وبحق الأخوة الزموا الشهيد علي سالم الغرابي على حضور الاجتماع مكرها وتم جبر خاطر احمد جنبين بل وكان له ما أراد وتناول الجميع وجبة العشاء وقد كانت وجبة دسمة " لحم ورز" تليق بمقام المسؤولين الضيوف ...
وعلى حين غفلة انفض السامر عندما حاصرت بيت الحاج سالم مهجر الغرابي مليشيات مسلحة ملثمة ترتدي الزي العسكري واقتحمت غرفة الاجتماع وطلبت الأستاذ علي سالم الغرابي وكانت مرتبكة ارتباكا شديدا وأثناء المشادات الكلامية وحدوث الهرج والمرج وهروب المأمور احمد جنبين إلى باب الغرفة شاردا إلى خارج البيت أطلق المسلحون الملثمون الرصاص عشوائيا وبكثافة على جميع الحاضرين وهم مرتبكين يناطحوا الستر هاربين إلى خارج البيت ...
وفي وسط عاكر البارود أصيب الشهيد علي سالم الغرابي باصابات مباشرة في قدمه اليمنى اثناء رفسه برجله(للتريك)مصباح الضوء وسقط الشهداء التالية اسماؤهم في الحادثة مباشرة وهم 1- الشهيد محمد ناصر شماخ السباعي مساعد مأمور مركز الديس والحامي 2- الشهيد باشراحيل وهو من الشحر ويعمل مدرسا في الديس الشرقية وعضو الخلية القيادية لتنظيم الجبهة القومية وقد رافق مساعد المأمور الشهيد محمد ناصر شماخ للتعرف على منطقة حلفون.. والشهيدان محمد ناصر شماخ السباعي وباشراحيل حضرا اجتماع حلفون ولا علم لهم إطلاقا بهذه المغامرة والمؤامرة 3- الشهيد علي بن الحد الغرابي 4- الشهيد سعيد بن شعوره الغرابي 5- الشهيد الحيدب الغرابي 6- الشهيد كعدور الغرابي وسقط شهيدا خارج البيت من قبل المسلحين المحاصرين لبيت الحاج سالم مهجر الغرابي وسقط شهداء وجرحى آخرين ...
وتم نقل الاستاذ علي سالم الغرابي جريحا ينزف دما بالإضافة إلىض مصابين آخرين أصيبوا في الحادثة وتم نقلهم في سيارة الأخ علي مبارك مهجر الغرابي الى مثاوي جبال شزوة ...وعلى أثر حادثة حلفون شهدت مناطق البادية في المديرية الشرقية مواجهات مسلحة مع السلطات العسكرية والأمنية في محافظة حضرموت خلفت ضحايا قتلى وجرحى من الجانبين وقد توجت تلك المواجهات بعقد لقاء للصلح بين الجانبين في منطقة " سلخب" في نواحي وادي طمحة ببادية الشحر حضره الأستاذ علي سالم البيض محافظ حضرموت في ذلك الوقت وادار الاجتماع بطريقة الاعراف القبلية وألقى كلمة مؤثرة في الحاضرين قال فيها (( اليوم بانوقف القتال وبانطرح المصوب فوق المقتول وبانغلق ملف المواجهات والحرب بالصلح بين الطرفين )) وفي نهاية الاجتماع طلب في حدود "20" شخص من البادية الحاضرين للتفاهم معهم كما قال وهو في الواقع ليس للتفاهم وإنما اودعوهم في سجن المنورة في المكلا وفيما بعد تم إطلاق سراحهم جميعا وبقى الأخ علي مبارك مهجر الغرابي في سجن المنورة لمدة ثلاث سنوات حتى أطلق سراحه الرئيس الراحل سالم ربيع علي " سالمين " عند زيارته لسجن المنورة في المكلا عام 1974م ...
ولأن قصة الشهيد علي سالم الغرابي كانت مثيرة للسلطات عند لجوئه إلى البادية منذ عام 1967م وكذلك فقد كانت قصته ايضا مثيرة للاهتمام من قبل الشعراء الشعبيين قبل وبعد أحداث حلفون فمنذ عام 1970م أبدع الشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار بقصيدة واغنية " دعوة الأوطان " ...
وهي عبارة عن نداء موجه للأستاذ علي سالم الغرابي (( دعوة الأوطان.. حين يدعيك ضبضب أو جبل شمسان استجب الآن يا فؤادي المعذب سيبك النسيان حب في القلب راسخ للجبال الشوامخ لي تربيت فيها وانقضى لك فيها شأن حان الوفاء حان ))
كما حدد الشاعر حسين أبوبكر المحضار علاقة الأستاذ علي سالم الغرابي بوادي حمم في حلفون وهبورك في الديس الشرقية ووادي طمحة في بادية الشحر في قصيدته الشهيرة " سروري من سرورك "
((سروري من سرورك ويعجبني يا حبيبي غرورك بنفسك واعجابك ولا بخاف عليك من شيء إلا من العين ..
من حمم إلى هبورك وطمحة حيث الأغصان تتشابك هنه يا غصن ربوك ويسقوك من العين ))
وكذلك الشاعر الشعبي المتألق سعيد سالم باجعاله بعد حادثة حلفون مباشرة قال في قصيدته الشهيرة " حاني قرونه "
(( حاني قرونه وسط الشبك حنبونه لي كان محد يجيبه هذا نصيبه والكرة جابها قول يا ساكنين الجول والمطر عندكم حول
لي سقونه صافي عسل في دنونه بعده لقوله حنيبه قصة عجيبة محد لقى مثلهم طول
ربي يصونه جملة حسد قد نوونه بعيون سوداء رهيبة انت رقيبة انت على الكل مسؤؤل ))
اربعمائة في خنونه سافر توجه الكوبا
والناس دايم في سهونه من يوم فارق حبيبه
روح طهيمه والسبب عدم الوصول
وكذلك بعد حادثة حلفون مباشرة جادت قريحة المحضار في قصيدته " رفع رأسه علي "
(( رفع رأسه علي ريته رفع رأسه على غيري
وهو إلا صاحبي محسوب في شري وفي خيري
ويسرح من جبيري في الوادي كما ما يسرح الطير
وراءه الي شرب من بئري الحلوة رمى بئري
بغى بايكودنا ذي كان يرقص عامزاميري وبايعوق سيري ونا عارف لي دهنوا له السير ))
وفي قصيدته(( ياسارح القطن سلم لي على القاطنين )يشير المحضار الى ان الزمن قد جار على الاستاذ علي سالم الغرابي :-
قلبي في القطن قاطن والشف شف العنين
لاتنكرونا مواطن لي نخل فيها وطين
ماحرك الصبر ساكن والدهر باييده سكين
والحب تحت المطاحن بايخرجنه طحين
والصدق بايبان ساعة عجينه
منخول والا انطحن هو وطينه
ع العمل والايادي الامينة الناس مستامنين
وان كان جارت وشحة سنينه
ولاحصل بنادم يعينه ربه معه بايعين
ياسارح القطن سلم لي على القاطنين
وأثناء عودة الأستاذ علي الغرابي من الجبل قال المحضار رائعته الجديدة " الصدق والكذب من صنع البشر لكن لي يصنعون الصدق منهم قليل "
محد يجيب الخبر نفس الخبر لازم يحطون للصافي غشر
وان كان شافوا سحب فوق القمر فقعوا بطيرانهم والقوا البطيل
النقش في الساج يصلح والحجر ما يصلح النقش في عود العشر في المنجرة ما يقبلوه النجر وأنه في النار ما يشعل شعيل
نيرانكم عادها تلقي شرر ودواكم الكيه بيت القور ما بيوافق مع أهل الظبر لي ولفوا الفحوسه بالنارجيل ))
لقد جار الزمن على الشهيد علي سالم الغرابي وظل متنقلا في جبال المنطقة الشرقية حتى تم ترتيب علاجه ونقله لعدن والخارج من قبل قيادات حزبه حزب الطليعة الشعبية وبالذات الأستاذ انيس حسن يحيى والشهيد سعيد سالم الخيبه بالتنسيق مع الرئيس عبدالفتاح اسماعيل والرئيس علي ناصر محمد وظل متأثرا بجراحه وباصابته في حادثة حلفون جسميا ونفسيا وصحيا وقد تدهورت حالته الصحية واجريت له عملية جراحية في مستشفى المصافي في البريقة في عدن توفي على أثرها رحمه الله في 1984/5/1م تقريبا ...
وقد تمت الصلاة على جثمانه الطاهر بعد صلاة العصر في مسجد المنصورة ووري جثمانه الثرى في موكب جنائزي حزين تقدمه بعض أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الاشتراكي وبعض الوزراء وهم انيس حسن يحيى وسعيد سالم الخيبه وعبدالغني عبدالقادر ونصر ناصر علي يافعي والدكتور فرج سعيد بن غانم وزير التخطيط والمهندس فيصل عثمان بن شملان التميمي مدير عام هيئة مصافي عدن بدرجة وزير وجمعان بن سعد نائب وزير المالية ودفن في مقبرة المنصورة في عدن
وفي اليوم الثاني بعد الجنازة مباشرة مساء يوم 1984/5/2م أقام أصدقاء الفقيد علي سالم الغرابي جلسة ذكر وقراءة في مسجد المنصورة حضره الكثيرون من محبي الفقيد من بينهم الأستاذ صالح منصر السييلي وزير امن الدولة ممثلا عن الرئيس علي ناصر محمد
وبرحيله فقد الوطن رمزا فذا صنع مدرسة متميزة في الحياة منهجها التضحية من أجل الوطن وعلى كل مغتر في هذه الدنيا الفانية أن يتعظ بأن دوام الحال من المحال ...